القوة والسلطة في زمن التكنولوجيا والثورة الصناعية 4.0




القوة والسلطة في زمن التكنولوجيا والثورة الصناعية 4.0

 

      القوة أو السلطة هي القدرة على التأثير والتحكم في سلوك الأخرين حتى يفعلوا ما تريد أو يتوقفوا عن فعل ما لا تحب في الحاضر أو في المستقبل. وذلك من خلال أساليب وطرق مختلفة.

هي القدرة على التأثير على أفضليات الأخرين كي ينشدوا ما تنشده دون أن يتطلب منك أن تأمرهم بالتغيير. تطور مفهوم القوة مع الزمن، بفعل المتغيرات الثقافية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، لينتقل من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة ويستقر في القوة الذكية.

1 - القوة الصلبة:

-لقد عرف القرن العشرون حربين عالميتين نتجت عنهما خسائر مادية و بشرية لم تعرف لهما الإنسانية مثيلا. استعملت فيها القوة الصلبة المتمثلة في القوة العسكرية لردع القوى المعارضة لتثبيت نظام عالمي جديد يقوم على الرأسمالية واقتصاد السوق ومبادئ وقيم الديموقراطية.

لقد كان للقوة الصلبة التي تتمحور حول استعمال القوة العسكرية والاقتصادية للتأثير على سلوكيات أو مصالح الكيانات دورا، من المحتمل أن يتواصل، في هيكلة سياسات العالم والتي كانت ولا زالت الولايات المتحدة الأمريكية رائدتها في اعتماد ثقافة بث الخوف والرهبة وتصديرها لكل مخالف لعقيدتها السامية.

بدأت هذه القوة تتلاشى مع تصاعد الحركات الوطنية والقومية ومقاومتها للقوى الاستعمارية التي بنت اقتصادها على نهب وسلب خيرات المستعمرات.

لا يمكن أن نجادل أن القوة الصلبة لم يعد لها دور في بناء العلاقات الدولية وإلا لماذا تصر كل من إيران وكوريا الشمالية على امتلاك القنبلة النووية كأداة لردع الأطماع والتدخلات الخارجية في سياستها وكذلك كوسيلة لزيادة نفوذها الإقليمي وتميزها العالمي، إلا أننا لا يمكن أن ننكر أن هذه القوة تركت مكانها لقوة حلت إلى جانبها وهي القوة الناعمة.   

2- القوة الناعمة:

       رغم ان القوة العسكرية مهمة في السياسة الدولية فإن التغيرات التي حدثت في تكلفتها وفاعليتها تجعل حسابات القوة العسكرية في الوقت الحاضر أكثر تعقيدا عما كان عليه الحال في الماضي. انتقل تركيز الدول على بناء قوة اقتصادية نافذة وعابرة للحدود بهدف خلق الولاء ليس لعقيدتها أو مبادئها وإنما لمنتجاتها وخدماتها من خلال الاعتماد على الدبلوماسية والعلاقات الثنائية وعقد تحالفات (الاتحاد الأوروبي – منظمة التعاون الخليجي ....) أو من خلال تقديم المساعدات الاقتصادية وتخفيض التعريفات الجمركية وتقديم القروض ...

   إن القوة الناعمة تعتمد على الجذب الإيجابي أي الامتنان. انا اساعدك وأنت في المقابل تفتح أسواقك لمنتجاتي وصفقاتك العمومية لشركاتي ...

في الماضي، كانت السياسة توجه الاقتصاد أما الآن فإن الاقتصاد هو من يحرك التوجهات والمخططات السياسية. الانتقال من الاستعمار السياسي إلى الاستعمار الاقتصادي.

     صارت قوة الدولة تقاس بما تملكه من براءات اختراع وعلماء وباحثين. الثورة البشرية التي تؤهلها إلى إبداع وابتكار منتجات حديثة تصدرها إلى باقي دول العالم. الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية جعلت من دول مناطق جذب واستقطاب ومن أخرى دول مصدر للقوة البشرية المؤهلة (هجرة العقول) وغير المؤهلة.

انتفت الحدود الجغرافية بين البلدان وأصبحت نافذة لعبور الأشخاص والمنتجات للأوبئة والأمراض والتطرف والإرهاب ...

إن بناء قوة اقتصادية بقدر ما يحتاج قوة بشرية عاملة ومؤهلة وأسواقا لتصريف المنتجات وبيع الخدمات يتطلب التوفر والسيطرة على عوامل أخرى يأتي على رأسها: مصادر الطاقة (الغاز والبترول – الفحم الحجري – الفوسفاط ...) الشيء الذي يجعل مناطق محددة من العالم كالشرق الأوسط مجالا لاصطدام واحتكاك للقوة العالمية بهدف بسط السيطرة ووضع اليد على ثروات المنطقة الطاقية: الصين – روسيا ومنظومة بريسك في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

الثورة المعلوماتية والتكنولوجيا ستحمل الصراع وتدافع القوى العالمية إلى جبهات أخرى ستغير ملامح النظام العالمي وستفتح الريادة لمن يملك القوة الذكية.

            3 – القوة الذكية:

وهي إدماج لشبكة العمل الدبلوماسي والدفاع والتنمية والأدوات الأخرى لما يسمى بالقوة الصلبة الموجعة والقوة الناعمة.

نجد مثلا أن روسيا استعملت دبلوماسية خطوط أنابيب الغاز لدعم قوتها الاقتصادية وتعزيز نفوذها السياسي الدبلوماسي في أوروبا أوراسيا، السعودية تحصل على الحماية من المخاطر والتهديدات الخارجية مقابل توظيف عائداتها البترولية في الولايات المتحدة الأمريكية ...

كما أن التعامل مع الدول المارقة تغير من اعتماد نهج الزجر والحرب إلى تبني إجراءات وعقوبات ذكية مثل تجميد الأصول والحصار الاقتصادي، منع البيع والشراء وتعليق المساعدات ...

العولمة جعلت الحدود أكثر شفافية، نافذة لعبور الأشخاص والبضائع والمنتجات... كما أن الثورة التكنولوجية والمعلوماتية خاصة مع الجيل الخامس من شبكات الاتصال ستجعل العالم أكثر تسطيحا، اتصالا وتفاعلا، قيم وثقافات، عادات ومبادئ، قضايا وأزمات، أمراض وأوبئة ذات صيت عالمي أممي (العولمة).

التجارة الإلكترونية وأنترنت اللوجيستيك قربت البضائع والخدمات وفتحت إمكانيات التسويق والتوزيع والنقل لمختلف بقاع العالم.

أصبحت السيطرة على العالم الافتراضي من شبكات اجتماعية والمجتمعات الخيالية الشيبانية وBIG DATA أهم معيار ومؤشر على امتلاك القوة في القرن الواحد والعشرين.

نشهد كذلك توظيف أبحاث علم النفس بمختلف شعبه في تعبئة الحشود وتوجيهها، برمجتها والتحكم فيها من خلال السياسات الإعلانية ونهج سياسة القطيع وتعبئة الحشود والهجوم الشرس على الخصوصية الفردية من خلال برامج إلكترونية تجسسيه تحملها على جهازك كلما اتصلت بالأنترنت ... التحكم في صناعة المحتوى (الأغاني – الأفلام – المسلسلات –اللعب الإلكترونية – المجلات والجرائد والكتب ...) وتسويق نماذج وأساليب في التربية والتعليم (البعثات التعليمية – الدورات التكوينية المجانية – المنح الدراسية...).

حروب المستقبل هي حروب سيبرانية من وراء الشاشات، حروب البرامج والخوارزميات، حروب مجالها الموجات الهيرتزية . صراعات حول من يمتلك المعرفة، من يمتلك السبق للاختراعات وبراءات الاختراع، من يمتلك العقول ورواد الأبحاث العلمية. تلك هي القوة الذكية.

  

اهروش يوسف

كتبتها على الحاسوب: اهروش مريم

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

كيف تصنع ثروة وأنت نائم

عالم ما بعد كورونا نظام عالمي جديد في طور التحديد